Saturday

لماذا لسنا لبنانيين يا ماما؟

Saturday 13 Mar, 2010

صدم الفتى سليم عندما بلغ الثامنة عشر من عمره ولم يستدعى الى خدمة العلم, لانه غير لبناني. لم يدرك ذلك قبل الآن
فهو لم يسافر يوماً, ومسجّل في مدرسة حيث ينشد كل صباح النشيد الوطني اللبناني. لهجته لبنانية ويعرف كل منطقة من "وطنه" لبنان.أمّه من عائلات المدينة وأبوه كذلك, ولم يتعرف أهل أمه الى جنسية الصهر إلا عند عقد القران. لذا كان لعدم قبوله في خدمة العلم الاثر المفجع في نفسه, فرجع الى البيت دامع العينين وسأل أمه: "ماما, لماذا نحن لسنا لبنانيين؟". وما حزّ في قلبه وآلمه أنه قد تلقى نبأ استدعائه الى الاحتياط في دولة مجاورة

و تستطرد والدته : " يبدو أن بعض اللواتي يقترنّ بلبنانيين يشرّفن الجنسية اللبنانية أكثر من زوجي, أستاذ الجامعة والكاتب..."


كدت أبين لهذه السيدة عدم جدوى خلط الاوراق ان هي أرادت الحديث عن قضيتها, لكن ما لبث أن اعترضني تجهّم وجهها واسترسالها في حزن بارد باتت عيناها تألفه, لان ابنها "اخد من أمو كل شي, لون عيونا, ابتسامتا وحنيتا, الا جنسيتا. محكوم عليه انو ما يكون لبناني لانو بيو مش لبناني".


ذلك هو شعار الحملة الاعلامية التي أطلقتها اللجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة, بدعم من برنامج الامم المتحدة الانمائي في 26 كانون الثاني الفائت. تهدف الحملة الى حشد تأييد الرأي العام من جهة, وأصحاب القرار من جهة أخرى عبر التلفزيونات والصحف والملصقات المنتشرة في كل مكان. وهي جزء من مشروع "جنسيتي حق لي ولأسرتي" التي تضغط من أجل اقرار حق المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني باعطاء جنسيتها لزوجها ولأولادها.


وزير الداخلية والبلديات زياد بارود يؤيد هذا التحرّك ويرعاه وقد عمل على منح اقامة مجانية لمدة خمس سنوات للاولاد غير المجنسين واقامة شباك تذاكر خاص لدى الامن العام لتيسير امورهم لان الهدف صعب المنال حالياً, فالملف لم يرد ذكره في البيان الوزاري ولازال يغط في سبات عميق متعفنا مع الحسابات الطائفية والسياسية.


وفي دراسة أعدّت عن "أوضاع النساء اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين" تتبين أحقية هذا المطلب وضرورته, ذلك أن 77400 فرداً يتضررون من هذا الواقع بين سنتي 1995-2008, والعدد ليس في انحسار. وفي حال كانت المرأة مطلقة أو أرملة يحرم اولادها حق التعليم والرعاية الصحية والسفر وممارسة حقهم السياسي في الانتخاب والترشح, يعيشون في لبنان مع أمهاتهم اللبنانيات كغرباء أو نزلاء لا أكثر ولا أقل.


ولا تتطلب القضية كثيراً من الفطنة لادراك أن وجود الفلسطينيين في لبنان وأغلبيتهم الساحقة من الدين "الاسلامي" والمذهب "السني" تحديداً هو حجر العثرة الذي يحول دون هذا القرار, ويتردّد في بعض المطابخ السياسية امكانية تحقيقه على ألا يشمل الفلسطينيين وهذا انتهاك صريح لحقوق الانسان يتنافى مع مبادىء مركز الامم المتحدة الانمائي الراعي الاساسي لهذا التحرك.


أما على الصعيد الميداني, فقدعملت اللجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة بالتنسيق مع جمعيات في كافة الاراضي اللبنانية على تدريب الاعلاميين حول دور الاعلام في هذا المجال ونشر دليل عن القوانين التمييزية في لبنان. وتستكمل عملها اليوم في دورات تدريبية حول موضوع الجنسية اضافة لجدول زيارات مكثف لدى الساسة المعنيين, ولعل اقرار هذا القانون في مصر وتونس ومؤخراً في المغرب والبحرين يحمل العاملين في هذه الحملة على التفاؤل ومتابعة جهدهم المتواصل


و لا بد لنا هنا أن نرتاب لاعتدادنا, نحن اللبنانيين, بانصافنا للمرأة , وبكون بناتنا اكثر الانماط النسوية استقلالية في الوطن العربي. لكن يبدو أنها صور براقة كفقاعات صابون سرعان ما تتلاشى عندما يدرك النساء أن انتماءهن الوطني منقوص, وحقوقهن أيضاً منقوصة في بلد العدالة والحريات الذي صادق على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة . انه من غير المقبول الحكم بالتعاسة سلفاً على حياة مواطنة لبنانية وأسرتها لأنها "هي", وليست "هو", ولا أن يتغاضوا عن مصائر الناس لئلا تلحقنا "كارثة" التغيير الطائفي , وارتفاع البورصة البشرية بين سهم مسيحي وسهم مسلم , عيب!




جودي الاسمر